كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال الشعبي رأيت قرني الكبش منوطين بالكعبة.
وقال ابن عباس: والذي نفسي بيده لقد كان أول الإسلام وإن رأس الكبش لمعلق بقرنيه في ميزاب الكعبة وقد وحش يعني يبس وقال الأصمعي سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح إسحاق كان أو إسماعيل؟ فقال يا أصمعي أين ذهب عقلك متى كان إسحاق بمكة إنما كان إسماعيل وهو الذي بنى البيت مع أبيه والله تعالى أعلم.
ذكر الإشارة إلى قصة الذبح:
قال العلماء بالسير وأخبار الماضين لما دعا إبراهيم ربه فقال: رب هب لي من الصالحين وبشر به قال هو إذًا لله ذبيح فلما ولد وبلغ معه السعي قيل له أوفِ بنذرك.
هذا هو السبب في أمر الله تعالى إياه بالذبح فقال لإسحاق انطلق نقرب لله قربانًا فأخذ سكينًا وحبلًا وانطلق معه حتى ذهب بين الجبال فقال الغلام يا أبت أين قربانك فقال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر.
وقال محمد بن إسحاق كان إبراهيم عليه السلام إذا زار هاجر وإسماعيل حمل على البراق فيغدو من الشام فيقيل بمكة ويروح من مكة فيبيت عند أهله بالشام حتى إذا بلغ إسماعيل معه السعي وأخذ بنفسه ورجاه لما كان يؤمل فيه من عبادة ربه وتعظيم حرماته أمر في المنام بذبحه وذلك أنه رأى ليلة التروية كأن قائلًا يقول له إن الله يأمرك بذبح ابنك هذا فلما أصبح تروى في نفسه أي فكر من الصباح إلى الرواح أمن الله هذا الحلم أم من الشيطان؟ فمن ثم سمي ذلك اليوم يوم التروية فلما أمسى رأى في المنام ثانيًا فلما أصبح عرف أن ذلك من الله تعالى فسمي ذلك اليوم يوم عرفة.
وقيل رأى ذلك ثلاث ليال متتابعات فلما عزم على نحره سمي ذلك اليوم يوم النحر فلما تيقن ذلك أخبر به ابنه فقال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك {فانظر ماذا ترى} أي في الرأي على وجه المشاورة.
فإن قلت: لم شاوره في أمر قد علم أنه حتم من الله تعالى وما الحكمة في ذلك.
قلت لم يشاوره ليرجع إلى رأيه وإنما شاوره ليعلم ما عنده فيما نزل به من بلاء الله تعالى وليعلم صبره على أمر الله وعزيمته على طاعته ويثبت قدمه ويصبره إن جزع ويراجع نفسه ويوطنها ويلقى البلاء وهو كالمستأنس به ويكتسب المثوبة بالانقياد لأمر الله تعالى قبل نزوله.
فإن قلت لم كان ذلك في المنام دون اليقظة وما الحكمة في ذلك؟ قلت إن هذا الأمر كان في نهاية المشقة على الذابح والمذبوح.
فورد في المنام كالتوطئة له ثم تأكد حال النوم بأحوال اليقظة فإذا تظاهرت الحالتان كان أقوى في الدلالة ورؤيا الأنبياء وحي وحق {قال يا أبت افعل ما تؤمر} يعني قال الغلام لأبيه افعل ما أمرت به قال ابن إسحاق وغيره لما أمر إبراهيم بذلك قال لابنه يا بني خذ الحبل والمدية وانطلق إلى هذا الشعب نحتطب فلما خلا إبراهيم بابنه في الشعب أخبره بما أمر الله به فقال افعل ما تؤمر {ستجدني إن شاء الله من الصابرين} إنما علق ذلك بمشيئة الله تعالى على سبيل التبرك وأنه لا حول عن معصية الله تعالى إلا بعصمة الله تعالى ولا قوة على طاعة الله إلا بتوفيق الله {فلما أسلما} يعني انقادا وخضعا لأمر الله وذلك أن إبراهيم أسلم ابنه وأسلم الابن نفسه {وتله للجبين} يعني صرعه على الأرض قال ابن عباس أضجعه على جبينه على الأرض فلما فعل ذلك قال له ابنه يا أبت أشدد رباطي كيلًا أضطرب واكفف عن ثيابك حتى لا ينتضح عليها شيء من دمي فينقص أجري وتراه أمي فتحزن واستحد شفرتك وأسرع مرَّ السكين على حلقي ليكون أهون عليّ فإن الموت شديد، وإذا أتيت أمي فاقرأ عليها السلام مني وإن رأيت أن ترد قميصي على أمي فافعل فإنه عسى أن يكون أسلى لها عني فقال إبراهيم عليه السلام: نعم العون أنت يا بني على أمر الله ففعل إبراهيم ما أمره به ابنه ثم أقبل عليه يقبله وهو يبكي وقد ربطه والابن يبكي ثم إنه وضع السكين على حلقه فلم تحك شيئًا.
ثم إنه حدها مرتين أو ثلاثًا بالحجر كل ذلك لا يستطيع أن يقطع شيئًا.
قيل ضرب الله تعالى صفيحة من نحاس على حلقه والأول أبلغ في القدرة وهو منع الحديد عن اللحم قالوا فقال الابن عند ذلك: يا أبت كبني لوجهي فإنك إذا نظرت وجهي رحمتني وأدركتك رقة تحول بينك وبين أمر الله تعالى وأنا لا أنظر إلى الشفرة فأجزع منها ففعل إبراهيم ذلك ثم وضع السكين على قفاه فانقلبت ونودي يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا.
{وناديناه} أي فنودي من الجبل {أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا} أي حصل المقصود من تلك الرؤيا حيث ظهر منه كمال الطاعة والانقياد لأمر الله تعالى وكذلك الولد.
فإن قلت كيف قيل قد صدقت الرؤيا وكان قد رأى الذبح ولم يذبح وإنما كان تصديقها لو حصل منه الذبح.
قلت جعله مصدقًا لأنه بذل وسعه ومجهوده وأتى بما أمكنه وفعل ما يفعله الذابح فقد حصل المطلوب وهو إسلامهما لأمر الله تعالى وانقيادهما لذلك فلذلك قال له قد صدقت الرؤيا {إنا كذلك نجزي المحسنين} يعني جزاه الله بإحسانه في طاعته العفو عن ذبح ولده والمعنى إنا كما عفونا عن ذبح ولده كذلك نجزي المحسنين في طاعتنا {إن هذا لهو البلاء المبين} أي الاختبار الظاهر حيث اختبره بذبح ولده.
{وفديناه بذبح عظيم} قيل نظر إبراهيم فإذا هو بجبريل ومعه كبش أملح أقرن فقال هذا فداء ابنك فاذبحه دونه فكبر إبراهيم وكبر جبريل وكبر الكبش فأخذه إبراهيم وأتى به المنحر من منى فذبحه قال أكثر المفسرين كان هذا الذبح كبشًا رعى في الجنة أربعين خريفًا وقال ابن عباس الكبش الذي ذبحه إبراهيم هو الذي قربه ابن آدم قيل حق له أن يكون عظيمًا وقد تقبل مرتين وقيل سمي عظيمًا لأنه من عند الله تعالى.
وقيل لعظمه في الثواب وقيل لعظمه وسمنه وقال الحسن ما فدى إسماعيل إلا بتيس من الأروى أهبط عليه من ثبير {وتركنا عليه في الآخرين} أي تركنا له ثناء حسنًا فيمن بعده {سلام على إبراهيم كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين} قوله تعالى: {وبشرناه بإسحاق نبيًا من الصالحين} أي بوجود إسحاق وهذا على قول من يقول إن الذبيح هو إسماعيل ومعناه أنه بشر بإسحاق بعد هذه القصة جزاءً لطاعته وصبره ومن جعل الذبيح هو إسحاق قال معنى الآية وبشرناه بنبوة إسحاق.
وكذا روى عن ابن عباس قال بشر به مرتين حين ولد وحين نبىء {وباركنا عليه} يعني على إبراهيم في أولاده {وعلى إسحاق} أي يكون أكثر الأنبياء من نسله {ومن ذريتهما محسن} أي مؤمن {وظالم لنفسه} أي كافر {مبين} أي ظاهر الكفر وفيه تنبيه على أنه لا يلزم من كثرة فضائل الأب فضيلة الابن.
قوله: {ولقد مننا على موسى وهارون} أي أنعمنا عليهما بالنبوة والرسالة {ونجيناهما وقومهما} يعني بني إسرائيل {من الكرب العظيم} يعني الذي كانوا فيه من استبعاد فرعون إياهم وقيل هو إنجاؤهم من الغرق {ونصرناهم} يعني موسى وهارون وقومهما {فكانوا هم الغالبين} أي على القبط.
{وآتيناهما الكتاب} يعني التوراة {المستبين} المستنير {وهديناهما الصراط المستقيم} أي دللناهما على طريق الجنة {وتركنا عليهما في الآخرين} أي الثناء الحسن {سلام على موسى وهارون إنا كذلك نجزي المحسنين إنهما من عبادنا المؤمنين} قوله: {وإن إلياس لمن المرسلين} روي عن ابن مسعود أنه قال إلياس هو إدريس وكذلك هو في مصحفه وقال أكثر المفسرين هو نبي من أنبياء بني إسرائيل قال ابن عباس هو ابن عم اليسع وقال محمد بن إسحاق هو إلياس بن بشر بن فنحاص بن العيزار بن هارون بن عمران.
ذكر الإشارة إلى القصة:
قال محمد بن إسحاق وعلماء السير والأخبار لما قبض الله حزقيل النبي عظمت الأحداث في بني إسرائيل وظهر فيهم الفساد والشرك ونصبوا الأصنام وعبدوها من دون الله، فبعث الله إليهم إلياس نبيًا وكان الأنبياء يبعثون من بعد موسى في بني إسرائيل بتجديد ما نسوا من أحكام التوراة وكان يوشع لما فتح الشام قسمها على بني إسرائيل وإن سبطًا منهم حصل في قسمته بعلبك ونواحيها وهم الذين بعث إليهم إلياس وعليهم يومئذ ملك اسمه آجب وكان قد أضل قومه وجبرهم على عبادة الأصنام وكان له صنم من ذهب طوله عشرون ذراعًا وله أربعة وجوه اسمه بعل وكانوا قد فتنوا به وعظموه وجعلوا له أربعمائة سادن وجعلوهم أنبياء فكان الشيطان يدخل في جوف بعل ويتكلم بشريعة الضلالة والسدنة يحفظونها عنه ويبلغونها الناس وهم أهل بعلبك وكان إلياس يدعوهم إلى عبادة الله وهم لا يسمعون له ولا يؤمنون به إلا ما كان من أمر الملك فإنه آمن به وصدقه فكان إلياس يقوم بأمره ويسدده ويرشده وكان للملك امرأة جبارة وكان يستخلفها على ملكه إذا غاب فغصبت من رجل مؤمن جنينة كان يتعيش منها فأخذتها وقتلته فبعث الله سبحانه وتعالى إلياس إلى الملك وزوجته وأمره أن يخبرهما أن الله قد غضب لوليه حين قتل ظلمًا وآلى على نفسه أنهما إن لم يتوبا عن صنيعهما ويرد الجنينة على ورثة المقتول أهلكهما في جوف الجنينة ثم يدعهما جيفتين ملقاتين فيها ولا يتمتعان فيها إلا قليلًا فجاء إلياس فأخبر الملك بما أوحى الله إليه في أمره وأمر امرأته والجنينة فلما سمع الملك ذلك غضب واشتد غضبه عليه وقال يا إلياس والله ما أرى ما تدعونا إليه إلا باطلًا وهمَّ بتعذيب إلياس وقتله فلما أحس إلياس بالشر رفضه وخرج عنه هاربًا ورجع الملك إلى عبادة بعل ولحق إلياس بشواهق الجبال فكان يأوي إلى الشعاب والكهوف فبقي سبع سنين على ذلك خائفًا مستخفيًا يأكل من نبات الأرض وثمار الشجر وهم في طلبه وقد وضعوا عليه العيون والله يستره منهم.
فلما طال الأمر على إلياس وسكنى الكهوف في الجبال وطال عصيان قومه ضاق بذلك ذرعًا فأوحى الله تعالى إليه بعد سبع سنين وهو خائف مجهود يا إلياس ما هذا الحزن والجزع الذي أنت فيه ألست أميني على وحيي وحجتي في أرضي وصفوتي من خلقي سلني أعطك فإني ذو الرحمة الواسعة والفضل العظيم قال يا رب تميتني وتلحقني بآبائي فإني قد مللت بني إسرائيل وملوني فأوحى الله تعالى إليه يا إلياس ما هذا باليوم الذي أعرى منك الأرض وأهلها وإنما صلاحها وقوامها بك وبأشباهك وإن كنتم قليلًا ولكن سلني أعطك فقال إلياس إن لم تمتني فأعطني ثأري من بني إسرائيل قال الله وأي شيء تريد أن أعطيك قال تملكني خزائن السماء سبع سنين فلا تسير عليهم سحابة إلا بدعوتي ولا تمطر عليهم قطرة إلا بشفاعتي فإنه لا يذلهم إلا ذلك قال الله يا إلياس أنا أرحم بخلقي من ذلك وإن كانوا ظالمين قال فست سنين قال أنا أرحم بخلقي من ذلك قال فخمس سنين قال أنا أرحم بخلقي ولكن أعطيك ثأرك ثلاث سنين أجعل خزائن المطر بيدك قال إلياس فبأي شيء أعيش يا رب قال أسخر لك جيشًا من الطير ينقل لك طعامك وشرابك من الريف والأرض التي لم تقحط قال إلياس قد رضيت فأمسك الله عنهم المطر حتى هلكت الماشية والهوام والشجر وجهد الناس جهدًا شديدًا وإلياس على حاله مستخفيًا من قومه يوضع له لرزق حيث كان وقد عرف قومه ذلك.
قال ابن عباس أصاب بني إسرائيل ثلاث سنين القحط فمر إلياس بعجوز فقال لها أعندك طعام قالت نعم شيء من دقيق وزيت قليل قال فدعا به ودعا فيه بالبركة ومسه حتى ملأ جرابها دقيقًا وملأ خوابيها زيتًا فلما رأوا ذلك عندها قالوا من أين لك هذا قالت مر بي رجل من حاله كذا وكذا فوصفته بصفته فعرفوه وقالوا ذلك إلياس فطلبوه فوجدوه فهرب منهم ثم إنه آوى إلى بيت امرأة من بني إسرائيل ولها ابن يقال له اليسع بن أخطوب بن ضر فآوته وأخفت أمره فدعا لابنها فعوفي من الضر الذي كان به واتبع اليسع إلياس وآمن به وصدقه ولزمه وذهب معه حيثما ذهب.
وكان إلياس قد كبر وأسن واليسع غلام شاب ثم إن الله تعالى أوحى إلى إلياس إنك قد أهلكت كثيرًا من الخلق ممن لم يعص من البهائم والدواب والطير والهوام بحبس المطر فيزعمون أن إلياس قال: يا رب دعني أكن أنا الذي أدعو لهم بالفرج مما هم فيه من البلاء لعلهم يرجعون عما هم فيه ينزعون عن عبادة غيرك فقيل له نعم.
{إذ قال لقومه ألا تتقون أتدعون بعلًا} يعني أتعبدون بعلًا وهو صنم كان لهم يعبدونه ولذلك سميت مدينتهم بعلبك قيل البعل الرب بلغة أهل اليمن {وتذرون} أي وتتركون عبادة {أحسن الخالقين} فلا تعبدونه {الله ربكم ورب آبائكم الأولين فكذبوه فإنهم لمحضرون} أي في النار {إلا عباد الله المخلصين} أي من قومه الذين آمنوا به فإنهم نجوا من العذاب.
{وتركنا عليه في الآخرين سلام على إل ياسين} قرئ {آل ياسين} بالقطع قيل أراد آل محمد صلّى اللّه عليه وسلم وقيل آل القرآن لأن ياسين من أسماء القرآن وفيه بعد وقرئ {الياسين} بالوصل ومعناه إلياس وأتباعه من المؤمنين {إنا كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين} قوله تعالى: {وإن لوطًا لمن المرسلين إذ نجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزًا في الغابرين} أي الباقين في العذاب {ثم دمرنا} أي أهلكنا {الآخرين وإنكم} أي أهل مكة {لتمرون عليهم} أي على آثارهم ومنازلهم {مصبحين} أي في وقت الصباح {وبالليل} أي وبالليل في أسفاركم {أفلا تعقلون} أي فتعتبرون بهم.
قوله: {وإن يونس لمن المرسلين} أي من جملة رسل الله تعالى: {إذ أبق} أي هرب {إلى الفلك المشحون} أي المملوء قال ابن عباس ووهب كان يونس وعد قومه العذاب فتأخر عنهم فخرج كالمستور منهم فقصد البحر فركب السفينة فاحتبست السفينة فقال الملاحون هاهنا عبد آبق من سيده فاقترعوا فوقعت على يونس فاقترعوا ثلاثًا وهي تقع على يونس فقال أنا الآبق وزجَّ نفسه في الماء.
وقيل إنه لما وصل إلى البحر كانت معه امرأته وابنان له فجاء مركب فأراد أن يركب معهم فقدم امرأته ليركب بعدها فحال الموج بينه وبين المركب وذهب المركب وجاءت موجة أخرى فأخذت ابنه الأكبر وجاء ذئب فأخذ الابن الأصغر فبقي فريدًا فجاء مركب فركبه وقعد ناحية من القوم فلما مرت السفينة في البحر ركدت فقال الملاحون إن فيكم عاصيًا وإلا لم يحصل وقوف السفينة فيما نراه من غير ريح ولا سبب ظاهر فاقترعوا فمن خرج سهمه نغرقه فلأن يغرق واحد خير من غرق الكل فاقترعوا فخرج سهم يونس فذلك قوله تعالى: {فساهم} أي فقارع {فكان من المدحضين} يعني من المقرعين المغلوبين في سورة يونس والأنبياء {فالتقمه الحوت} أي ابتلعه {وهو مليم} أي آت بما يلام عليه {فلولا أنه كان من المسبحين} أي من الذاكرين الله ّ قبل ذلك وكان كثير الذكر وقال ابن عباس من المصلحين وقيل من العابدين.
قال الحسن ما كانت له صلاة في بطن الحوت ولكنه قدم عملًا صالحًا فشكر الله تعالى له طاعته القديمة قال بعضهم اذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدة فإن يونس كان عبدًا صالحًا ذاكرًا لله تعالى فلما وقع في الشدة في بطن الحوت شكر الله تعالى له ذلك فقال: {فلولا أنه كان من المسبحين}.
{للبث في بطنه إلى يوم يبعثون} وقيل لولا أنه كان يسبح في بطن الحوت بقوله: {لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين} للبث في بطنه إلى يوم يبعثون أي لصار بطن الحوت قبرًا له إلى يوم القيامة.
قوله: {فنبذناه} أي طرحناه إنما أضاف النبذ إلى نفسه وإن كان الحوت هو النابذ لأن أفعال العباد كلها مخلوقة لله تعالى: {بالعراء} أي بالأرض الخالية عن الشجر والنبات.
وقيل بالساحل {وهو سقيم} أي عليل كالفرخ الممعط وقيل كان قد بلي لحمه ورق عظمه ولم تبق له قوة قيل إنه لبث في بطن الحوت ثلاثة أيام وقيل سبعة وقيل عشرين يومًا وقيل أربعين وقيل التقمه ضحى ولفظه عشية {وأنبتنا عليه شجرة من يقطين} يعني القرع قيل إن كان نبت يمتد وينبسط على وجه الأض كالقرع والقثاء والبطيخ ونحوه فهو يقطين قيل أنبتها الله تعالى له ولم تكن قبل ذلك وكانت معروشة ليحصل له الظل وفي شجر القرع فائدة وهي أن الذباب لا يجتمع عندها فكان يونس يستظل بتلك الشجرة ولو كانت منبسطة على الأرض لم يكن أن يستظل بها قيل وكانت وعلة تختلف إليه فيشرب من لبنها بكرة وعشية حتى اشتد لحمه ونبت شعره وقوي فنام نومة ثم استيقظ وقد يبست الشجرة وأصابه حر الشمس فحزن حزنًا شديدًا وجعل يبكي فأرسل الله تعالى إليه جبريل وقال أتحزن على شجرة ولا تحزن على مائة ألف من أمتك قد أسلموا وتابوا {وأرسلناه إلى مائة ألف} قيل أرسله إلى أهل نينوى من أرض الموصل قبل أن يصيبه ما أصابه والمعنى وكنا أرسلناه إلى مائة ألف فلما خرج من بطن الحوت أمر أن يرجع إليهم ثانيًا وقيل كان إرساله إليهم بعد خروجه من بطن الحوت وقيل يجوز أن يكون إرساله إلى قوم آخرين غير القوم الأولين {أو يزيدون} قال ابن عباس معناه ويزيدون وقيل معناه بل يزيدون وقيل أو على أصلها والمعنى أو يزيدون في تقدير الرائي إذا رآهم قال هؤلاء مائة ألف أو يزيدون على ذلك فالشك على تقدير المخلوقين والأصح هو قول ابن عباس الأول.